الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الطبقات الكبرى **
ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا يوم السبت لسبع ليال خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره قالوا لما رجع من حضر بدرا من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب موقوفة في دار الندوة فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان فقالوا نحن طيبو أنفس إن تجهزوا بربح هذه العير جيشا إلى محمد فقال أبو سفيان وأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي فباعوها فصارت ذهبا فكانت ألف بعير والمال خمسين ألف دينار فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم وكانوا يربحون في تجارتهم للدينار دينارا وفيهم نزلت ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حمراء الأسد يوم الأحد لثماني ليال خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره قالوا لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد مساء يوم السبت بات تلك الليلة على بابه ناس من وجوه الأنصار وبات المسلمون يداوون جراحاتهم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوم الأحد أمر بلالا أن ينادي أن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس فقال جابر بن عبد الله إن أبي خلفني يوم أحد على أخوات لي فلم أشهد الحرب فأذن لي أن أسير معك فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال غيره ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل فدفعه إلى علي بن أبي طالب ويقال إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما وخرج وهو مجروح في وجهه ومشجوج في جبهته ورباعيته قد شظيت وشفته السفلى قد كلمت في باطنها وهو متوهن منكبه الأيمن من ضربة بن قميئة وركبتاه مجحوشتان وحشد أهل العوالي ونزلوا حيث أتاهم الصريخ وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وخرج الناس معه فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد وهي من المدينة على عشرة أميال طريق العقيق متياسرة عن ذي الحليفة إذا أخذتها في الوادي وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فعلوهما ومضوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد فدفن الرجلين في قبر واحد وهما القرينان وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت الله تبارك وتعالى بذلك عدوهم فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة وقد غاب خمس ليال وكان استخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي إلى قطن وهو جبل بناحية فيد به ماء لبني أسد بن خزيمة في هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طليحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوانهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة وعقد له لواء وبعث معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وقال سر حتى تنزل أرض بني أسد فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعهم فخرج فأغذ السير ونكب عن سنن الطريق وسبق الأخبار وانتهى إلى أدنى قطن فأغار على سرح لهم فضموه وأخذوا رعاء لهم مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم فجاؤوا جمعهم فحذروهم فتفرقوا في كل ناحية ففرق أبو سلمة أصحابه ثلاث فرق في طلب النعم والشاء فآبوا إليه سالمين قد أصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا فانحدر أبو سلمة بذلك كله إلى المدينة سرية عبد الله بن أنيس: ثم سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي بعرنة خرج من المدينة يوم الإثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سفيان بن خالد الهذلي ثم اللحياني وكان ينزل عرنة وما والاها في ناس من قومه وغيرهم قد جمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس ليقتله فقال صفه لي يا رسول الله قال إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان قال وكنت لا أهاب الرجال واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول فأذن لي فأخذت سيفي وخرجت أعتزي إلى خزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ووراءه الأحابيش ومن ضوى إليه فعرفته بنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته فرأيتني أقطر فقلت صدق الله ورسوله فقال من الرجل فقلت رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك قال أجل إني لأجمع له فمشيت معه وحدثته واستحلى حديثي حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه حتى إذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت رأسه ثم دخلت غارا في الجبل وضربت العنكبوت علي وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين ثم خرجت فكنت أسير الليل وأتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلما رآني قال أفلح الوجه قلت أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري فدفع إلي عصا وقال تخصر بهذه في الجنة فكانت عنده فلما حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه ففعلوا سرية المنذر بن عمرو: ثم سرية المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا وقدم عامر بن مالك بن جعفر أبو براء ملاعب الأسنة الكلاني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى له فلم يقبل منه وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال لو بعثت معي نفرا من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك فقال إني أخاف عليهم أهل نجد فقال أنا لهم جار إن يعرض لهم أحد فبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا من الأنصار شببة يسمون القراء وأمر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي فلما نزلوا ببئر معونة وهو ماء من مياه بني سليم وهو بين أرض بني عامر وأرض بني سليم كلا البلدين يعد منه وهو بناحية المعدن نزلوا عليها وعسكروا بها وسرحوا ظهورهم وقدموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فوثب على حرام فقتله واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا وقالوا لا يخفر جوار أبي براء فاستصرخ عليهم قبائل من سليم عصية ورعلا وذكوان فنفروا معه ورأسوه واستبطأ المسلمون حراما فأقبلوا في أثره فلقيهم القوم فأحاطوا بهم فكاثروهم فتقاتلوا فقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم سليم بن ملحان والحكم بن كيسان في سبعين رجلا فلما أحيط بهم قالوا اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك فأقرئه منا السلام فأخبره جبرائيل صلى الله عليه وسلم بذلك فقال وعليهم السلام وبقي المنذر بن عمرو فقالوا إن شئت آمناك فأبى وأتى مصرع حرام فقاتلهم حتى قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنق ليموت يعني أنه تقدم على الموت وهو يعرفه وكان معهم عمرو بن أمية الضمري فقتلوا جميعا غيره فقال عامر بن الطفيل قد كان على أمي نسمة فأنت حر عنها وجز ناصيته وفقد عمرو بن أمية عامر بن فهيرة من بين القتلى فسأل عنه عامر بن الطفيل فقال قتله رجل من بني كلاب يقال له جبار بن سلمى لما طعنه قال فزت والله ورفع إلى السماء علوا فأسلم جبار بن سلمى لما رأى من قتل عامر بن فهيرة ورفعه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر أهل بئر معونة وجاءه تلك الليلة أيضا مصاب خبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد وبعث محمد بن مسلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلتهم بعد الركعة من الصبح فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم سنين كسني يوسف اللهم عليك ببني لحيان وعضل والقارة وزغب ورعل وذكوان وعصية فإنهم عصوا الله ورسوله ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة فأنزل الله فيهم قرآنا حتى نسخ بعد بلغوا قومنا عنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهد بني عامر واطلب خفرتي من عامر بن الطفيل وأقبل عمرو بن أمية سار أربعا على رجليه فلما كان بصدور قناة لقي رجلين من بني كلاب قد كان لهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان فقتلهما وهو لا يعلم ذلك ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بمقتل أصحاب بئر معونة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبت من بينهم وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل العامريين فقال بئس ما صنعت قد كان لهما مني أمان وجوار لأدينهما فبعث بديتهما إلى قومهما أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمدوه على قومهم فأمدهم سبعين رجلا من الأنصار كانوا يدعون فينا القراء كانوا يحطبون بالنهار ويصلون بالليل فلما بلغوا بئر معونة غدروا بهم فقتلوهم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فقنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان قال فقرأنا بهم قرآنا زمانا ثم إن ذلك رفع أو نسي بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا عنا وأرضانا أخبرنا يحيى بن عباد أخبرنا عمارة بن زاذان حدثني مكحول قال قلت لأنس بن مالك أبا حمزة القراء قال ويحك قتلوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا قوما يستعذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويحطبون حتى إذا كان الليل قاموا إلى السواري للصلاة أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن بن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ورجال من أهل العلم أن المنذر بن عمرو الساعدي قتل يوم بئر معونة وهو الذي يقال له أعنق ليموت وكان عامر بن الطفيل استنصر لهم بني سليم فنفروا معه فقتلوهم غير عمرو بن أمية الضمري أخذه عامر بن الطفيل فأرسله فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أبت من بينهم وكان من أولئك الرهط عامر بن فهيرة قال بن شهاب فزعم عروة بن الزبير أنه قتل يومئذ فلم يوجد جسده حين دفنوا قال عروة كانوا يرون أن الملائكة هي دفنته أخبرنا عتاب بن زياد أخبرنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن حتى نسخ بعد بلغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوهم ثلاثين غداة يدعو على رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله أخبرنا الفضل بن دكين أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم قال سمعت أنس بن مالك قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سرية مرثد بن أبي مرثد: ثم سرية مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى الرجيع في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن إدريس الأودي أخبرنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الظفري وأخبرنا معن بن عيسى الأشجعي أخبرنا إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن عمر بن أسيد بن العلاء بن جارية وكان من جلساء أبي هريرة قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من عضل والقارة وهم إلى الهون بن خزيمة فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهونا ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم عشرة رهط عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ومرثد بن أبي مرثد وعبد الله بن طارق وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة وخالد بن أبي البكير ومعتب بن عبيد وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه وهما من بلي حليفان في بني ظفر وأمر عليهم عاصم بن ثابت وقال قائل مرثد بن أبي مرثد فخرجوا حتى إذا كانوا على الرجيع وهو ماء لهذيل بصدور الهدة والهدة على سبعة أميال منها والهدة على سبعة أميال من عسفان فغدروا بالقوم واستصرخوا عليهم هذيلا فخرج إليهم بنو لحيان فلم يرع القوم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم فأخذ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيوفهم فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتالكم إنما نريد أن نصيب بكم ثمنا من أهل مكة ولكم العهد والميثاق ألا نقتلكم فأما عاصم بن ثابت ومرثد بن أبي مرثد وخالد بن أبي البكير ومعتب بن عبيد فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا فقاتلوهم حتى قتلوا وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فاستأسروا وأعطوا بأيديهم وأرادوا رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت نذرت لتشربن في قحف عاصم الخمر وكان قتل ابنيها مسافعا وجلاسا يوم أحد فحمته الدبر فقالوا أمهلوه حتى تمسي فإنها لو قد أمست ذهبت عنه فبعث الله الوادي فاحتمله وخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بمر الظهران وقدموا بخبيب وزيد مكة فأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية فقتله بأبيه وابتاع حجير بن أبي إهاب خبيب بن عدي لابن أخته عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ليقتله بأبيه فحبسوهما حتى خرجت الأشهر الحرم ثم أخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما وكانا صليا ركعتين ركعتين قبل أن يقتلا فخبيب أول من سن ركعتين عند القتل أخبرنا عبد الله بن إدريس حدثني عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب مولى الحارث بن عامر قال قال موهب قال لي خبيب وكانوا جعلوه عندي يا موهب أطلب إليك ثلاثا أن تسقيني العذب وأن تجنبني ما ذبح على النصب وأن تؤذني إذا أرادوا قتلي أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أن نفرا من قريش فيهم أبو سفيان حضروا قتل زيد فقال قائل منهم يا زيد أنشدك الله أتحب أنك الآن في أهلك وأن محمدا عندنا مكانك نضرب عنقه قال لا والله ما أحب أن محمدا يشاك في مكانه بشوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي قال يقول أبو سفيان والله ما رأيت من قوم قط أشد حبا لصاحبهم من أصحاب محمد له. ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجره وكانت منازل بني النضير بناحية الغرس وما والاها مقبرة بني خطمة اليوم فكانوا حلفاء لبني عامر قالوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية الكلابين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فقالوا نفعل يا أبا القاسم ما أحببت وخلا بعضهم ببعض وهموا بالغدر به وقال عمرو بن جحاش بن كعب بن بسيل النضري أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة فقال سلام بن مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بما هموا فنهض سريعا كأنه يريد حاجة فتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا أقمت ولم نشعر قال همت يهود بالغدر فأخبرني الله بذلك فقمت وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر وتكاروا من ناس من أشجع إبلا فأرسل إليهم بن أبي لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون عن آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع حيي فيما قال بن أبي فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير وكبر المسلمون لتكبيره وقال حاربت يهود فصار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فصلى العصر بفضاء بني النضير وعلي رضي الله تعالى عنه يحمل رايته واستخلف على المدينة بن أم مكتوم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم وخذلهم بن أبي وحلفاؤهم من غطفان فأيسوا من نصرهم فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع نخلهم فقالوا نحن نخرج عن بلادك فقال لا أقبله اليوم ولكن اخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة فنزلت يهود على ذلك وكان حاصرهم خمسة عشر يوما فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم ثم أجلاهم عن المدينة وولى إخراجهم محمد بن مسلمة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش فلحقوا بخيبر وحزن المنافقون عليهم حزنا شديدا وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال والحلقة فوجد من الحلقة درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة سيف وأربعين سيفا وكانت بنو النضير صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة له حبسا لنوائبه ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد وقد أعطى ناسا من أصحابه ووسع في الناس منها فكان ممن أعطي ممن سمي لنا من المهاجرين أبو بكر الصديق بئر حجر وعمر بن الخطاب بئر جرم وعبد الرحمن بن عوف سوالة وصهيب بن سنان الضراطة والزبير بن العوام وأبو سلمة بن عبد الأسد البويلة وسهل بن حنيف وأبو دجانة مالا يقال له مال بن خرشة أخبرنا محمد بن حرب المكي وهاشم بن القاسم الكناني قالا أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل النضير وهي البويرة فأنزل الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها أخبرنا هوذة بن خليفة أخبرنا عوف عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير قال امضوا فإن هذا أول الحشر وأنا على الأثر ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر الموعد وهي غير بدر القتال وكانت لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا من مهاجره قالوا لما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب قل نعم إن شاء الله فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان إني قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر وقد جاء ذلك الوقت وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج فيجتريء علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة فتخذل أصحاب محمد قال نعم ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين وهم ألف وخمسمائة وكانت الخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع لهم وتجارات وكانت بدر الصفراء مجتمعا يجتمع فيه العرب وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان تخلو منه ثم يتفرق الناس إلى بلادهم فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة وقامت السوق صبيحة الهلال فأقاموا بها ثمانية أيام وباعوا ما خرجوا به من التجارات فربحوا للدرهم درهما وانصرفوا وقد سمع الناس بسيرهم وخرج أبو سفيان بن حرب من مكة في قريش وهم ألفان ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مجنة وهي مر الظهران ثم قال ارجعوا فإنه لا يصلحنا إلا عام خصب غيداق نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وإن عامكم هذا عام جدب فإني راجع فارجعوا فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق يقولون خرجوا يشربون السويق وقدم معبد بن أبي معبد الخزاعي مكة بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافاته بدرا في أصحابه فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان قد نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترؤوا علينا ورأوا أن قد أخلفناهم ثم أخذوا في الكيد والنفقة والتهيؤ لغزوة الخندق أخبرنا حجاج بن محمد عن بن جريج عن مجاهد الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم قال هذا أبو سفيان قال يوم أحد يا محمد موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا فقال محمد صلى الله عليه وسلم عسى فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم لموعده حتى نزلوا بدرا فوافقوا السوق فذلك قول الله تبارك وتعالى فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء والفضل ما أصابوا من التجارة وهي غزوة بدر الصغرى. ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الرقاع في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا من مهاجره قالوا قدم قادم المدينة بجلب له فأخبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنمارا وثعلبة قد جمعوا لهم الجموع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة من أصحابه ويقال سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع وهو جبل فيه بقع حمرة وسواد وبياض قريب من النخيل بين السعد والشقرة فلم يجد في محالهم أحدا إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة وهربت الأعراب إلى رؤوس الجبال وحضرت الصلاة فخاف المسلمون أن يغيروا عليهم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فكان ذلك أول ما صلاها وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة فابتاع من جابر بن عبد الله في سفره ذلك جمله بأوقية وشرط له ظهره إلى المدينة وسأله عن دين أبيه وأخبره به فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة خمسا وعشرين مرة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعال بن سراقة بشيرا إلى المدينة بسلامته وسلامة المسلمين وقدم صرارا يوم الأحد لخمس ليال بقين من المحرم وصرار على ثلاثة أميال من المدينة وهي بئر جاهلية على طريق العراق وغاب خمس عشرة ليلة أخبرنا عفان بن مسلم أخبرنا أبان بن يزيد وحدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة فأخذه فاخترطه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتخافني قال لا قال فمن يمنعك مني قال الله يمنعني منك قال فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمد السيف وعلقه قال فنودي بالصلاة قال فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان ثم في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا من مهاجره قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بدومة الجندل جمعا كثيرا وأنهم يظلمون من مر بهم من الضافطة وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة وهي طرف من أفواه الشام بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من المسلمين فكان يسير الليل ويكمن النهار ومعه دليل له من بني عذرة يقال له مذكور فلما دنا منهم إذا هم مغربون وإذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد بها أحدا فأقام بها أياما وبث السرايا وفرقها فرجعت ولم تصب منهم أحدا وأخذ منهم رجل فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا لعشر ليال بقين من شهر ربيع الآخر وفي هذه الغزاة وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن أن يرعى بتغلمين وما والاه إلى المراض وكان ما هناك قد أخصب وبلاد عيينة قد أجدبت وتغلمين من المراض على ميلين ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم المريسيع في شعبان سنة خمس من مهاجره قالوا إن بلمصطلق من خزاعة وهم من حلفاء بني مدلج وكانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها المريسيع بينها وبين الفرع نحو من يوم وبين الفرع والمدينة ثمانية برد وكان رأسهم وسيدهم الحارث بن أبي ضرار فسار في قومه ومن قدر عليه من العرب فدعاهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوه وتهيؤوا للمسير معه إليه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك فأتاهم ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج وقادوا الخيول وهي ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة وفي الأنصار عشرون وخرج معه بشر كثير من المنافقين ولم يخرجوا في غزاة قط مثلها واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وكان معه فرسان لزاز والظرب وخرج يوم الإثنين لليلتين خلتا من شعبان وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد قتل عينه الذي كان وجهه ليأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيء بذلك الحارث ومن معه وخافوا خوفا شديدا وتفرق من كان معهم من العرب وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع وهو الماء فاضطرب عليه قبته ومعه عائشة وأم سلمة فتهيؤوا للقتال وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة فرموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم إنسان وقتل عشرة منهم وأسر سائرهم وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد وكان بن عمر يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار عليهم وهم غارون ونعمهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم والأول أثبت وأمر بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بالغنائم فجمعت واستعمل عليها شقران مولاه وجمع الذرية ناحية واستعمل على مقسم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء واقتسم السبي وفرق وصار في أيدي الرجال وقسم النعم والشاء فعدلت الجزور بعشر من الغنم وبيعت الرثة في من يزيد وأسهم للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم وكانت الإبل ألفي بعير والشاء خمسة آلاف شاة وكان السبي مائتي أهل بيت وصارت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عمر له فكاتباها على تسع أواقي ذهب فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها وأداها عنها وتزوجها وكانت جارية حلوة ويقال جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق ويقال جعل صداقها عتق أربعين من قومها وكان السبي منهم من من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء ومنهم من افتدي فافتديت المرأة والذرية بست فرائض وقدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها وهو الثبت عندنا وتنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن سعيد الغفاري على الماء فضرب جهجاه سنانا بيده فنادى سنان يا للأنصار ونادى جهجاه يا لقريش يا لكنانة فأقبلت قريش سراعا وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه وعفا عنه واصطلحوا فقال عبد الله بن أبي لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم وسمع ذلك زيد بن أرقم فأبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قوله فأمر بالرحيل وخرج من ساعته وتبعه الناس فقدم عبد الله بن عبد الله بن أبي الناس حتى وقف لأبيه على الطريق فلما رآه أناخ به وقال لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ومحمد العزيز فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعه فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا وفي هذه الغزاة سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن الحضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر وفي هذه الغزاة كان حديث عائشة وقول أهل الإفك فيها قال وأنزل الله تبارك وتعالى براءتها وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاته هذه ثمانية وعشرين يوما وقدم المدينة لهلال شهر رمضان
|